الخميس، 13 سبتمبر 2012

مواقف من حياة الصحابيات



بقلم الكاتب  والمفكر الاسلامى
                 عزت سليم

أم المؤمنين عائشة والعلم
على قدر ما تميزت به أم المؤمنين  خديجة رضي الله عنها من  إيمان وتضحية ووقوف إلى جانب الزوج المحبوب في دعوته وجهاده قريش وتحمل الحصار والجوع والعطش وتطليق البنات  نتيجة للجهر بالدعوة  ، إلا أنها رضي الله عنها لم يؤثر عنها رواية العلم أو الفتوى  أو التعليم وإنما تميزت في هذا الجانب زوجتان غيرها هما عائشة بنت الصديق وأم سلمة المخزومية رضي الله عنهما  .
فإذا تحدثنا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فسنجد جوانب التفوق  كثيرة في حياتها  ففي العبادة والزهد والتقوى  والورع والخشية والإنفاق في سبيل الله  ستجدها قد بلغت الذروة في كل ذلك ولكن الجانب الأكثر بروزاً في حياة أم المؤمنين هو التعلم والتعليم ، فلماذا تميزت عائشة في هذا المجال ، فهذا هو حديثنا .
لابد لمن يسير  في طريق طلب العلم أن تتوفر له عدة عوامل تساعده على النجاح  في هذا الطريق ومن هذه العوامل  : الاستعداد الفطري ، والمعلم المربي ، والمنهج الصحيح المناسب .
وقد توفر لأم المؤمنين عائشة ما لم يتوفر لغيرها من طلاب العلم في تاريخ البشرية  فقد توفر لها
:1- أصح منهج عرفته البشرية وهو الوحي المعصوم وهو القرآن الكريم  تلقته غضاً من فم النبي صلى الله علية وسلم
2- أفضل معلم ومربي عرفته البشرية عبر تاريخها وهو النبي الحبيب  صلى الله علية وسلم
3- توفر فيها من صفات طالب العلم النابغ اللسان السؤول والقلب العقول والعقل المدرك المتأمل والذاكرة الحافظة الواعية والذكاء المتقد والقلب الطاهر والنفس الزكية والتواضع لله عز وجل  والثقة في النفس من غير كبر والرغبة في تحصيل العلم وتعلمه وتعليمه للناس باعتبار ذلك من العمل الصالح الذي يبتغى به وجه الله  .
وتعلم العلم في الإسلام من علامات الخير في حياة المسلم والمسلمة  ففي الحديث " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وفي الحديث خيركم من تعلم القرآن وعلمه "
كانت عائشة قوية في الحق لا تهاب أن تسأل عما لا تعرف أو أن تجهر برأيها في وجه أي إنسان مهما كانت مكانته ، مكثت في هذه المدرسة النبوية  تسع سنوات  نهلت فيها من الكتاب والسنة
ما استطاعت ، فلا عجب أن تجدها بعد ذلك من السبعة الكبار في رواية الحديث فيأتي ترتيبها الرابع بينهم ، وليس في كبار الرواة والمحدثين والفقهاء والمفسرين  من النساء  غيرها ، فلم تكن موهبتها في الحفظ والرواية فقط  وإنما في الفهم واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها من الكتاب والسنة وفي مدرسة عائشة الكثير من التابعين  الذين نقلوا لنا علمها وفقهها لعل أبرزهم ابن أختها عروة بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت الصديق  ، كان عروة أحد الفقهاء الكبار في جيل التابعين  بسبب  طول مصاحبته لخالته عائشة رضي الله عنها ،وابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر  وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعمرة بنت عبد الرحمن
 ومن قوة عائشة في قول الحق الذي تقتنع به أنها اعترضت على كثير من الأحاديث التي رواها غيرها من الصحابة إذا كانت سمعت أو فهمت من رسول الله ص خلاف ما يرويه الصحابي  ، وهو ما يسميه العلماء الاستدراك وقد اهتم العلماء بعد ذلك باستدراكات عائشة على الصحابة فجمع هذه الاستدراكات علماء مثل الإمام  بدر الدين الزركشي رحمه الله (745-794هـ)الذي كتب  ( الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة )  ولم يكن استدراك عائشة على صحابة قليلي العلم والرواية وإنما كان على الكبار أمثال أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهما من هما في العلم والرواية ،
عاشت أم المؤمنين عائشة خمسة وستين سنة سبعة منها في مكة قبل الهجرة وثمانية وخمسين سنة في المدينة بعد الهجرة منها ثمانية وأربعين سنة بعد وفاة النبي ص  تفرغت فيها للعبادة والعلم ري الله عنها ، ولقد ضربت عائشة ض مثلاً لكل نساء المؤمنين في كل العصور لما يمكن أن تصل إليه المرأة المسلمة  من درجة في العلم تعلو فيه قامتها على قامات كثير من الرجال في مجال العلم والتعليم .
ونختم بحديث عمرو بن العاص الذي رواه الشيخان أنه سأل رسول الله ص من أحب الناس إليك قال عائشة قال فمن الرجال قال أبوها وقد تحدث العلماء بوجوب محبتها وقد قال النبي ص لابنته فاطمة عليها السلام يا بنيتي ألا تحبين ما أحب قالت : بلى ، قال : فأحبي هذه  ( أي عائشة ) وقالوا بكفر من اتهم عائشة بالإفك بعد أن برأها الله عز وجل في القرآن الكريم .
رضي الله عن أمنا عائشة وجمعنا بها في ظلال الخلد ورزقنا حب نبيه وأهل بيته الأطهار
------------